قصة قصيرة .... تجربتي الأولى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الى كل من نفتقدهم وافتقدناهم ....



أعدت كوباً من الحليب الدافئ واتجهت نحو تلك الغرفة المغلقة في اخر الممر،

امسكت المقبض وفتحته بهدوء، فقد اعتادت ان تفعل نفس الشئ كل يوم في مثل

هذا الوقت تفتح الباب بهدوء وتدخل الى ان تصل الى المكتب تضع كوب الحليب

برفق على سطح المكتب، فيرفع راسه عن تلك الاوراق المبعثرة هنا وهناك لينظر

اليها نظرة حب، امتنان، شكر، حنان، لم تكن تعرف كيف بمقدوره ان يجمع هذه

المعاني كلها في تلك النظرة، ويبتسم لها ابتسامة دافئة، فتربت على كفه بحنان

وتبادله الابتسامة وتغادر الغرفة بهدوء كما دخلت.

وفي يوم من الايام دخلت الغرفة وكان منهمكاً في عمله لدرجة انه لم يلحظ دخولها

وضعت كوب الحليب وانصرفت بصمت، وبينما هو كذلك لامست يده كوب الحليب

فنظر مستغرباً فوجد الكوب أمامه التفت حوله فلم يجد أحداً قام مسرعاً إليها

انه يعلم انها تؤثر ان تبقى صامته على ان تزعجه، ويعلم تماما كم هي انسانة طيبة

وحساسة لذا كان لا يحب ان يجرحها حتى لو كان ذلك دون قصد منه فقد كانت

بالفعل زوجة صالحة، لذا كان يحاول جاهداً أن يكون كذلك.

كل هذه الذكريات تسارعت الى ذهنها وهي ممسكة بمقبض الباب، هي تعلم تماماً

انها لن تجد أحداً في الغرفة لكنها تبقى تلك الامنيات المضحكة التي تصارع من

أجل الحياة ولكنها لا تعلم انها تصارع واقعاً مريراً لا يلبث أن يقضي عليها

فبمجرد ان تضغط يدها على المقبض ستتبدد كل تلك الاماني...

فتحت الباب بهدوء كعادتها، الغرفة كما هي لم يتغير فيها شئ هناك في الواجهة

ذلك المكتب الخشبي الثقيل لم يتزحزح من مكانه وفوقه تلك الوريقات المبعثرة

إلا وان طبقة سميكة من الغبار قد تراكمت فوقه.

هناك في الزاوية أريكة صغيرة وبالقرب منها نافذة تطل على الحديقة الصغيرة

التي تقع أمام المنزل،وبجانب المكتب مكتبة صغيرة تحتوي على بضع كتب مرتبه

فوقها وعلى الرغم من ان المكتبة ليست بالكبيرة الا ان كل كتاب فيها كان له قصة

جميلة عايشاها هما الاثنان.

كل ركن في الغرفة يذكرها به، انه زوجها ،،،

لقد استشهد قبل شهر ومنذ ذلك الوقت وهي تخشى ان تدخلها فهناك كان

يجلس، وعلى الاريكة تبادلا الحديث والنقاش، وعلى ذلك الكرسي جلس ليقرأ كتاباً

لقد شهدت هذه الغرفة أغلب ذكرياتها.

وقفت بجانب المكتبة وعيناها قد امتلأتا بالدموع، وقد تسللت احدى الدموع لتشق

طريقها على ذلك الوجه الشاحب، أمسكت بأحد الكتب وللأسف لقد وقع اختيارها

على الكتاب الذي أهدته اياه في ذكرى مولده، انها تلك الدنيا تصر على ان تذكرنا

بكل شئ في وقت نحتاج فيه ان ننسى او بمعنى أصح ان نتناسى قليلاً،

أخذت الكتاب وجلست على الاريكة، لقد كان لذلك الكتاب في قلبه حباً خاصاً، فلقد

بحث عنه كثيرا في جميع المكتبات وللاسف دون جدوى، وفي نفس الوقت كان

هدية من أعز مخلوق لديه على وجه الارض.

وبينما هي تقلب في صفحاته واذا بجرس الهاتف يرن، وضعت الكتاب بجانبها وقامت

لتجيب رفعت السماعة ...

فاذا بوجهها يزداد شحوباً، وأخذ العرق يتصبب من جبينها بغزارة، يداها ترتجفان ....