بسم الله الرحمن الرحيم
تحــت ظــــــلال الصـــواريخ
أربعة أيام انقضت على التهدئة، أشبعنا خلالها اللاعبون على ألف حبل انتقادات ومزاودات، وعزّ على معظم شركاء الساحة أن تتم هذه التهدئة بشروط مشرفة، بعيدا عن ربطها بشاليط أو وقف التهريب، انزعج كثيرون، وكل منهم عبر عن انزعاجه.
دوافع الانزعاج اختلفت بطبيعة الحال، لكن التعبير عنها كان شبه متحد! عبيد أمريكا من بني جلدتنا، أحزنهم كثيرا أن تنتزع حماس لقمة شعبها من بين فكي الأسد، بينما هي تنتظر أن يمن عليها بشيء ولو كان رفع حاجز وهمي! عباس الذي لا تكاد تبرد قبلاته على خد أولمرت حتى يعاجله بقبلات أخر في لقاء آخر، لا يستطيع رفع حاجز واحد من الحواجز الرئيسية التي تقطع أوصال الضفة، بينما حماس التي لا تعترف بالصهاينة، ولا تجالسهم –فضلا عن أن تعانقهم وتقبلهم-، ولا تتنازل عن حقها في المقاومة، ولا حتى عن حقها في التسلح وتعاظم القوة، تستطيع أن تخفف عن كاهل الأهل في غزة بعد حصار اشتد، وظن أصحابه أنه سينال من حماس وشعب فلسطين.
هذا حال زمرة أوسلو، إذن فهي صفعة قوية لهم، ودرس في علم أصول انتزاع الحقوق –مهما صغرت هذه الحقوق- فما شأن الحُمر؟! وما الذي أزعجهم؟
فلتعذروهم يا سادة ليس بيدهم من الأمر شيء، وليس أمامهم إلا مداهنة أسيادهم –العبيد أيضًا-، الذي يحكمون القبضة على "شوالات الشيكات" إذا ما بدر منهم أي تصرف وطني، ولقد أضحكني هؤلاء كثيرًا حين كانوا بين الفينة والأخرى يتحدثون عن التزامهم بالتهدئة وعدم التزامهم، وكأن هؤلاء حقا يظنون أنهم يؤذون "إسرائيل" يا هؤلاء! من كان فيكم يؤذي "إسرائيل" فقد قُتل أو سُجن، ولم يُبْقِ اليهود منكم إلا من يضمن أنه لن يؤذيه يومًا، إن تنظيمًا يمر عضو مكتبها السياسي عن بوابات عبور عدوه دون أن يعترضه أحد، لا يمكن أن يكون حركة تحرر أبدًا، أو يشكل خطرًا حقيقيًا على العدو!
لم أستغرب حقًا من مواقف الأوسلويين، وأحبابهم الحمر، ولكن ما أزعجني فعلا هو اشتراك قواعد تنظيمية لمن ينبغي أن يكونوا شركاء المشروع الجهادي أو الإسلامي، وتسابقهم إلى ترويج الدعاية الأوسلوية ضد كل ما يقوم به فريق المجاهدين من خطوات، تهدئة أو تصعيدا، مناورة أو ثباتًا، قربًا أو صدودًا. ولم يكن دافعهم في ذلك إلا الغيرة والحسد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وإذا جئنا إلى مضمون هذه المزاودات وجدنا معظمه يصب في خانة أن التهدئة كانت مقابل: "الخبز"، وكأنه محرم علينا أن نأكل بجهادنا، أو بالأحرى نطعم شعبنا بما تأتي به صواريخنا، ألا فليعلم هؤلاء أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قال: جُعل رزقي تحت ظل رمحي! ونحن به مقتدون فأرزاقنا تحت ظلال الصواريخ! لا عيب أن ينتزع الشعب لقمته من عدوه بحد السيف، بل له بذلك كل فخر! نعم بنار صواريخنا حصّلنا أرزاقنا، فهل هنالك ضير؟
وقد بالغ هؤلاء في تسطيح القضية، وبسطوها حتى كاد المرء لأول وهلة يرى فيها شيئا من المنطق! إذ يقول واحد منهم: هدنة مقابل الخبز، يسانده آخر: بعد أن كنا نفاوض على القدس والعودة صرنا نفاوض على الحليب، ويتحسر ثالث: نسينا فلسطين وأصبح أكبر همنا جرة الغاز! تسطيح عجيب.
أيها المحترمون: قد سبق هذه التهدئة أكثر من تهدئة، وقد التزمت بها كل فصائل المقاومة، فيا ترى ماذا كان الثمن الذي جنيناه، أو حتى طلبناه من هذه التهدئة؟
هل طلبنا مقابل الهُدَن السابقة تسليم مفاتيح المسجد الأقصى لمحمد الضيف؟! أم طلبنا مقابلها عودة مليون لاجئ إلى بيوتهم وأراضيهم؟ ما الذي طلبناه؟
الجواب: لقد طلبنا وقف العدوان على شعبنا لمدة معينة، تأخذ فيها فصائل المقاومة استراحة محارب، وفترة إعداد وترتيب أوراق! فقط، لم نطلب غير ذلك.. كان هدفنا هو استراحة المحارب إعدادًا لجولة قادمة. وهذا ما طلبناه في هذه الهدنة، أن نريح شعبنا ومجاهدينا مدة ستة أشهر، نعد فيها العدة لنسقي اليهود الموت الزؤام في جولة تالية، ونواصل التسليح والتدريب وتعاظم القوة، ثم ما جاء بعد ذلك من فك للحصار وفتح
للمعابر زيادة خير!
فنحن في السابق لم نعط هدنة مقابل القدس، بل هدنة مقابل وقف إطلاق النار، أما هذه الهدنة فكانت مقابل وقف إطلاق النار وفك الحصار! فليت شعري أين الانحدار في المطالب والمواقف؟
وأكثر ما يغيظ أعداء المقاومة الإشارة للهدنة على أنها نصر أو تقدم، سبحان الله! لكثرة هزائمهم يأنفون أن ينسب النصر إلى غير الأعداء! فإن نسب النصر إلى إخوانهم، لا يرونه إلا كشفا عن عيبهم وبيانا لعوارهم وفضحا لعقم مذهبهم، وهو كذلك.
أليس نصرًا أن تلجأ "إسرائيل" إلى التفاوض –غير المباشر- مع منظمة مصنفة على قائمة الإرهاب العالمية؟!
ألم يضع الصهاينة على حماس شروطا ثلاثة للتعامل معها كأمر واقع لا يمكن تجاوزه، وأهم شرط هو الاعتراف بإسرائيل؟!
أليس نصرًا أن يعترف عدوك بك، وبتأثيرك، دون أن تعترف أنت بحقه في الوجود؟!
أليس نصرًا أن الحصار لم يؤت أكله! وأن الشعب لم ينتفض إلا على أعدائه الحقيقيين، ولم ينقم إلا على أعوانه العملاء؟!
اعتبروه نصرا أو هزيمة أو ما شئتم، لكن فيلنائي شهد بأن الهدنة كانت نصرًا للإسلام الراديكالي، والفضل ما شهدت به الأعداء.
أما شعب غزة، فليسعد بما أفاء الله عليه –وما سيأتي بإذنه- من بركات هذه التهدئة، ولا يكن في قلبه مثقال ذرة من ضيق أو حرج فيما رزقه الله تحت ظلال صواريخه الأبية، وليضع بين عينيه أن أطيب الرزق ما كان سببه الجهاد في سبيل الله تعالى، وفي تراثنا أن عربية رثت أخاها، فقالت:
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى **** ولا المال إلا من قنى وسيوف
فيا شعبًا زادُه التقى، ومالُه من عرقِ الصواريخ والقذائف، اهنأ بما رزقك الله، ولا يحزنك قولهم، ولا تك في ضيق مما يمكرون.