شلل يصيب "رياض أطفال" غزة بسبب الوقود
غزة- رشا بركة
بعد انتهاء دوامه من روضته التي جاء إليها مشياً على قدميه الضعيفتين لمدة نصف ساعة، وقف الطفل إبراهيم عليوة على باب روضته يبكى ويكاد يغمى عليه من التعب والإرهاق الذي أنهك جسده الصغير، يطالب أن يعيدوه إلى بيته ولكن ليس ماشيا على قدميه لأنه لن يتحمل ذلك.
وتسببت أزمة نفاذ الوقود في قطاع غزة في حدوث كارثة حقيقة في رياض الأطفال بكافة مناطق القطاع حتى علقت العديد منها مسيرتها، وأبقت الأخرى على دوامها رغم عدم قدرة الكثير من الأطفال على الوصول إليها بعد توقف الباصات الخاصة بهم إليها.
وأصيبت قطاعات الحياة في قطاع غزة بشلل كامل نتيجة نفاذ الوقود منه منذ عدة أسابيع نتيجة منع قوات الاحتلال الإسرائيلي أي كمية من الوقود إلى قطاع غزة وسيطرتها الكاملة على معابرها وإغلاقها لمعبر "نحل عوز" الوحيد الخاص بالمحروقات.
طفولة مقهورة
بعد طول بكاء وصراخ منه اندفعت والدة الطفل عليوة بسرعة بعد تأخره في عودته إلى البيت، لتجده يكاد يغشى عليه من التعب، وبحالة طفلها وحالتها جلست على باب الروضة تحتضنه وتكاد تحترق ألما، وهى عاجزة أمام رفضه العودة مشياً على الأقدام.
وبمزيد من القهر تروى صورة معاناتها وطفلها بسبب أزمة المواصلات، وتقول "لقد ذهب في الأيام الأخيرة إلى الروضة مشيا على الأقدام، الباص توقف عن المجيء لأنه لا يوجد وقود، والمنزل يحتاج نصف ساعة مشيا لكي يصل طفلي إلى الروضة، وهذا أنهك صحته ولا يكف عن البكاء".
مدراء رياض الأطفال في قطاع غزة أكدوا أن كافة الباصات التي تنقل الأطفال من وإلى الرياض توقفت بشكل كامل، وأن عددا كبيرا من الأطفال حرموا من الذهاب إلى الرياض وبعضهم لم يستطع أن يكمل مشيه على الأقدام وعادوا إلى منازلهم وتوقفوا عن التوجه للرياض.
وتؤكد مديرة روضة "براعم القدس" في منطقة الشجاعية بمدينة غزة مي الخضري أن أكثر من نصف أطفال الروضة انقطعوا عنها بسبب شلل حركة المواصلات، وأن الروضة لا تستطيع أن تتصرف تجاه هذه الأزمة، مشيرةً إلى وجود خطة لتعويض الأطفال بعد الأزمة.
وتقول الخضري للشبكة الإعلامية الفلسطينية "إن الأطفال الذين كانوا يأتون مشيا على الأقدام، مرضوا في تلك الأيام القليلة، واضطر أهلهم لعدم إرسالهم للروضة،مشيرة إلى عجز الروضة عن تدبير أزمة الباص في ظل ضغوطات الاهالى وقلقهم على مستقبل أطفالهم في الروضة".
وتسبب نفاذ الوقود في قطاع غزة بتوقف المسيرة التعليمية، وتعرض القطاع التعليمي للخطر، حيث علقت كافة جامعات قطاع غزة دوامها إلى إشعار أخر بسبب عدم تمكن الأغلبية القصوى من الطلبة والمدرسين من الوصول إلى جامعاتهم نتيجة شلل حركة السيارات بشكل شبه كامل في قطاع غزة.
وبعد توقف الباص لم تستطع والدة الطفلة رشا أبو هين أن تتصرف وسط اشتداد الأزمة وبُعد المسافة بين الروضة والمنزل، فاضطرت لإبقاء طفلتها في المنزل إلى حين تحل الأزمة، مفضلة عدم المغامرة بصحة طفلتها.
لكنها عبرت بقلق عن حيرتها وعجزها عن التصرف تجاه المشكلة، تقول "منذ أسبوعين لا تذهب طفلتي إلى الروضة بعد توقف باصاتها، والمسافة أبعد بكثير من أن تذهب مشيا على قدميها، ولكن الأزمة تأخذ في التفاقم وأصبحت قلقة على ابنتى".
ماشيا ما لا يطيق
معاناة أطفال غزة تجسدت في الطفل سمير أبو محسن من غزة الذي يذهب في كل يوم إلى الروضة ماشيا على قدميه، ويرفض التغيب عن روضته، مما اضطر والدته لأن تذهب بصحبته حين ذهابه وتعود إليه بعد ساعتين لتنتظر معاد عودته وتأخذ به إلى البيت مشيا لمدة ما يقارب نصف الساعة.
وتقول والدة الطفل بحرقة على صحة ابنها الذي أصبح ينام بعد عودته من الروضة 6ساعات من الإرهاق "ضقت من الألم والتعب كل يوم، وأردت أن يجلس سمير في البيت لكنه يرفض، وأذهب برفقته مشيا إلى الروضة بعد انقطاع الباص لكنه أصبح مرهقا ولا يعرف سوى النوم طوال النهار".
روضة البيان بمحافظة خان يونس واحدة من عشرات الرياض التي توقفت باصاتها عن نقل الأطفال بعد نفاذ الوقود، والتي في نهاية الأمر اضطرت إدارتها لأن تعلق الدوام فيها إلى إشعار أخر.
وتقول مسئولة الروضة جيهان أبو عمر إن الكثير من الروضات في المحافظة والتي من بينها البيان انقطع الأطفال عن المجيء إليها فاضطرت إلى تعليق الدوام فيها، موضحةً أن الأمور سيتم معالجتها وتعويض الأطفال بقدر الإمكان عن ضياع الوقت والمنهج في هذه الفترة.
الحصار طال كل شيء حتى قهر الطفولة في قطاع غزة وكل هذا في ميزان البشر حرام إلا على أبناء هذه البقعة الصغيرة فكل شيء هنا يباح قهره وانتهاكه، والغطاء محاربة الإرهاب ليطرح السؤال نفسه، أين الإرهاب في طفولة هؤلاء؟!.